الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَاْصْبِرُواْ على ءالِهَتِكُمْ} أي: اثبتوا على عبادتها، وقيل: المعنى: وانطلق الأشراف منهم، فقالوا للعوامّ: امشوا، واصبروا على آلهتكم، و{أن} في قوله: {أَنِ امشوا} هي: المفسرة للقول المقدّر، أو لقوله: {وانطلق} لأنه مضمن معنى القول، ويجوز أن تكون مصدرية معمولة للمقدر، أو للمذكور، أي: بأن امشوا.وقيل: المراد بالانطلاق: الاندفاع في القول، وامشوا من مشت المرأة.إذا كثرت ولادتها، أي: اجتمعوا، وأكثروا، وهو بعيد جدًّا، وخلاف ما يدل عليه الانطلاق، والمشي بحقيقتهما، وخلاف ما تقدم في سبب النزول، وجملة {إِنَّ هذا لَشَىْء يُرَادُ} تعليل لما تقدمه من الأمر بالصبر، أي: يريده محمد بنا، وبآلهتنا، ويودّ تمامه، ليعلو علينا، ونكون له أتباعًا، فيتحكم فينا بما يريد، فيكون هذا الكلام خارجًا مخرج التحذير منه، والتنفير عنه.وقيل: المعنى: إن هذا الأمر يريده الله سبحانه، وما أراده فهو كائن لا محالة، فاصبروا على عبادة آلهتكم.وقيل: المعنى: إن دينكم لشيء يراد، أي: يطلب، ليؤخذ منكم، وتغلبوا عليه، والأوّل أولى.{مَّا سَمِعْنَا بهذا في الملة الآخرة} أي: ما سمعنا بهذا الذي يقوله محمد من التوحيد في الملة الآخرة.وهي: ملة النصرانية، فإنها آخر الملل قبل ملة الإسلام، كذا قال محمد بن كعب القرظي، وقتادة، ومقاتل، والكلبي، والسدي.وقال مجاهد: يعنون: ملة قريش، وروي مثله عن قتادة أيضًا.وقال الحسن: المعنى: ما سمعنا أن هذا يكون آخر الزمان.وقيل: المعنى: ما سمعنا من اليهود، والنصارى أن محمدًا رسول {إِنْ هذا إِلاَّ اختلاق} أي: ما هذا إلا كذب اختلقه محمد، وافتراه.ثم استنكروا أن يخصّ الله رسوله بمزية النبوّة دونهم، فقالوا: {أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذكر مِن بَيْنِنَا} والاستفهام للإنكار أي: كيف يكون ذلك، ونحن الرؤساء، والأشراف.قال الزجاج: قالوا: كيف أنزل على محمد القرآن من بيننا، ونحن أكبر سنًا، وأعظم شرفًا منه، وهذا مثل قولهم: {لَوْلا نُزِّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ} [الزخرف: 31] فأنكروا أن يتفضل الله سبحانه على من يشاء من عباده بما شاء.ولما ذكر استنكارهم لنزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم دونهم بين السبب الذي لأجله تركوا تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به، فقال: {بْل هُمْ في شَكّ مّن ذِكْرِى} أي: من القرآن، أو الوحي لإعراضهم عن النظر الموجب لتصديقه، وإهمالهم للأدلة الدالة على أنه حقّ منزل من عند الله {بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ} أي: بل السبب أنهم لم يذوقوا عذابي، فاغترّوا بطول المهلة، ولو ذاقوا عذابي على ما هم عليه من الشرك والشكّ لصدّقوا ما جئت به من القرآن، ولم يشكوا فيه.{أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبّكَ العزيز الوهاب} أي: مفاتيح نعم ربك، وهي النبوّة، وما هو دونها من النعم حتى يعطوها من شاءوا، فما لهم، ولإنكار ما تفضل الله به على هذا النبيّ، واختاره له، واصطفاه لرسالته.والمعنى: بل أعندهم، لأن أم هي المنقطعة المقدّرة ببل والهمزة.والعزيز: الغالب القاهر.والوهاب: المعطي بغير حساب.{أَمْ لَهُم مٌّلْكُ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} أي: بل ألهم ملك هذه الأشياء حتى يعطوا من شاءوا، ويمنعوا من شاءوا، ويعترضوا على إعطاء الله سبحانه ما شاء لمن شاء؟ وقوله: {فَلْيَرْتَقُواْ في الأسباب} جواب شرط محذوف، أي: إن كان لهم ذلك، فليصعدوا في الأسباب التي توصلهم إلى السماء، أو إلى العرش حتى يحكموا بما يريدون من عطاء، ومنع، ويدبروا أمر العالم بما يشتهون، أو فليصعدوا، وليمنعوا الملائكة من نزولهم بالوحي على محمد صلى الله عليه وسلم.والأسباب: أبواب السماوات التي تنزل الملائكة منها، قاله مجاهد، وقتادة، ومنه قول زهير:
قال الربيع بن أنس: الأسباب: أدقّ من الشعر، وأشدّ من الحديد، ولكن لا ترى.وقال السدّي: {فِى الاسباب} في الفضل، والدين.وقيل: فليعملوا في أسباب القوّة إن ظنوا أنها مانعة، وهو قول أبي عبيدة.وقيل: الأسباب: الحبال، يعني: إن وجدوا حبالًا يصعدون فيها إلى السماء فعلوا، والأسباب عند أهل اللغة: كل شيء يتوصل به إلى المطلوب كائنًا ما كان.وفي هذا الكلام تهكم بكم، وتعجيز لهم {جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مّن الأحزاب} هذا وعد من الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم بالنصر عليهم، والظفر بهم، و{جند} مرتفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هم جند، يعني: الكفار، مهزوم: مكسور عما قريب، فلا تبال بهم، ولا تظن أنهم يصلون إلى شيء مما يضمرونه بك منا لكيد، و{ما} في قوله: {مَّا هُنَالِكَ} هي: صفة لجند لإفادة التعظيم، والتحقير، أي: جند أيّ جند.وقيل: هي زائدة، يقال: هزمت الجيش: كسرته، وتهزمت القرية: إذا تكسرت، وهذا الكلام متصل بما تقدّم، وهو قوله: {بَلِ الذين كَفَرُواْ في عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} وهم جند من الأحزاب مهزومون، فلا تحزن لعزّتهم، وشقاقهم، فإني أسلب عزّهم، وأهزم جمعهم، وقد وقع ذلك، ولله الحمد في يوم بدر، وفيما بعده من مواطن الله.وقد أخرج عبد بن حميد عن أبي صالح قال: سئل جابر بن عبد الله، وابن عباس عن {ص} فقال: لا ندري ما هو.وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: {ص} محمد صلى الله عليه وسلم.وأخرج ابن جرير عنه {والقرءان ذِى الذكر} قال: ذي الشرف.وأخرج أبو داود الطيالسي، وعبد الرزاق، والفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه عن التميمي قال: سألت ابن عباس عن قول الله تعالى: {فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ} قال: ليس بحين نزو، ولا فرار.وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عنه في الآية قال: نادوا النداء حين لا ينفعهم، وأنشد: وأخرج عنه أيضًا في الآية قال: ليس هذا حين زوال.وأخرج ابن المنذر من طريق عطية عنه أيضًا قال: لا حين فرار.وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {وانطلق الملأ مِنْهُمْ} الآية قال: نزلت حين انطلق أشراف قريش إلى أبي طالب، فكلموه في النبي صلى الله عليه وسلم.وأخرج ابن مردويه عنه {وانطلق الملأ مِنْهُمْ} قال: أبو جهل.وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضًا في قوله: {مَّا سَمِعْنَا بهذا في الملة الآخرة} قال: النصرانية.وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضًا في قوله: {فَلْيَرْتَقُواْ في الأسباب} قال: في السماء. اهـ.
|